فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقول رابع: أن الذرية النُّطَف حملها الله تعالى في بطون النساء تشبيهًا بالفلك المشحون؛ قاله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؛ ذكره الماوردي.
وقد مضى في البقرة اشتقاق الذرية والكلام فيها مستوفًى.
و{الْمَشْحُون} المملوء الموقَر، و{الْفُلْك} يكون واحدًا وجمعًا.
وقد تقدّم في يونس القول فيه.
قوله تعالى: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} والأصل يركبونه فحذفت الهاء لطول الاسم وأنه رأس آية.
وفي معناه ثلاثة أقوال: مذهب مجاهد وقتادة وجماعة من أهل التفسير، وروي عن ابن عباس أن معنى {مِنْ مِثْلِهِ} للإبل، خلقها لهم للركوب في البر مثل السفن المركوبة في البحر؛ والعرب تشبه الإبل بالسفن.
قال طرفة:
كأنّ حُدُوجَ المالكيةِ غُدوةً ** خَلاَيَا سفِينٍ بالنواصِفِ مِن دَدِ

جمع خلّية وهي السفينة العظيمة.
والقول الثاني أنه للإبل والدواب وكل ما يركب.
والقول الثالث أنه للسفن؛ النحاس: وهو أصحها لأنه متصل الإسناد عن ابن عباس.
{وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} قال: خلق لهم سفنًا أمثالها يركبون فيها.
وقال أبو مالك: إنها السفن الصغار خلقها مثل السفن الكبار؛ وروي عن ابن عباس والحسن.
وقال الضحاك وغيره: هي السفن المتخذة بعد سفينة نوح.
قال الماورديّ: ويجيء على مقتضى تأويل علي رضي الله عنه في أن الذرّية في الفلك المشحون هي النطف في بطون النساء قول خامس في قوله: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} أن يكون تأويله النساء خلقن لركوب الأزواج لكن لم أره محكيًا.
قوله تعالى: {وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ} أي في البحر فترجع الكناية إلى أصحاب الذرية، أو إلى الجميع، وهذا يدلّ على صحة قول ابن عباس ومن قال: إن المراد {مِنْ مِثْلِهِ} السفن لا الإبل.
{فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ} أي لا مغيث لهم رواه سعيد عن قتادة.
وروى شيبان عنه: فلا منعة لهم ومعناهما متقاربان.
و{صَرِيَخ} بمعنى مُصرِخ فعيل بمعنى فاعل.
ويجوز {فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ} لأن بعده ما لا يجوز فيه إلا الرفع؛ لأنه معرفة وهو {وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} والنحويون يختارون لا رجل في الدار ولا زيد.
ومعنى: {يُنْقَذُونَ} يخلصون من الغرق.
وقيل: من العذاب.
{إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا} قال الكسائي: هو نصب على الاستثناء.
وقال الزجاج: نصب مفعولٍ من أجله؛ أي للرحمة {وَمَتَاعًا} معطوف عليه.
{إلى حِينٍ} إلى الموت؛ قاله قتادة.
يحيى بن سّلام: إلى القيامة أي إلا أن نرحمهم ونمتعهم إلى آجالهم، وأن الله عجل عذاب الأمم السالفة، وأخّر عذاب أمة محمد صلى الله عليه وسلم وإن كذبوه إلى الموت والقيامة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَءايَةٌ لَّهُمُ الليل}.
جملة من خبرٍ مقَّدمٍ ومبتدأٍ مؤخَّرٍ كما مرَّ وقوله تعالى: {نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} جملةٌ مبيِّنة لكيفيَّةِ كونِه آيةً أي نُزيله ونكشفُه عن مكانِه مستعارٌ من السَّلخِ وهو إزالةُ ما بين الحيوانِ وجلدِه من الاتِّصالِ. والأغلبُ في الاستعمالِ تعليقُه بالجلدِ يقال سلختُ الإهابَ من الشَّاةِ وقد يُعكس ومنه الشَّاةُ المسلوخةُ {فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} أي داخلونَ في الظَّلامِ مفاجأةً وفيه رمزٌ إلى أنَّ الأصلَ هو الظَّلامُ والنُّورُ عارضٌ.
{والشمس تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَا} لحدَ مُعين ينتهي إليهِ دورُها فشبه بمستقرِّ المسافرِ إذ قطع مسيرَه أو لكبد السَّماءِ فإنَّ حركتَها فيه توجد أبطأ بحيثُ يظنُّ أنَّ لها هناك وقفةً قال:
والشَّمسُ حَيْرى لها بالجوِّ تدويمُ

أو لا استقرارَ لها على نهجٍ مخصوصٍ أو لمنتهى مقدَّر لكلِّ يومٍ من المشارقِ والمغاربِ فإنَّ لها في دورِها ثلاثمائة وستِّين مشرقًا ومغربًا تطلع كلَّ يومٍ من مطلعِ وتغربُ من مغربٍ ثمَّ لا تعودُ إليهما إلى العامِ القابلِ أو لمنقطعِ جريها عند خرابِ العالمِ. وقُرئ {إلى مستقرَ لها} وقُرئ {لا مستقرَّ لها } أي، لا سكونَ لها فإنَّها متحرِّكةٌ دائمًا وقُرئ {لا مستقرَّ لها } على أنَّ لا بمعنى ليسَ.
{ذلك} إشارةٌ إلى جريها وما فيهِ من معنى البُعد مع قُرب العهدِ بالمُشارِ إليه للإيذانِ بعلوِّ رُتبتهِ وبُعد منزلتِه أي ذلك الجريُ البديعُ المنطوي على الحِكَمِ الرَّائعةِ التي تحارُ في فهمها العقولُ والأفهامُ {تَقْدِيرُ العزيز} الغالبِ بقُدرته علَى كلِّ مقدورٍ {العليم} المحيطِ علمُه بكلِّ معلومٍ.
{والقمر قدرناه} بالنَّصبِ بإضمار فعلٍ يفسِّره الظَّاهرُ. وقُرئ بالرَّفعِ على الابتداءِ أي قدَّرنا له {مَنَازِلَ} وقيل: قدرنا مسيرَه منازلَ وقيل: قدرنَاهُ ذا منازلَ وهي ثمانيةٌ وعشرون السرطانِ البَطينُ الثُّريَّا الدَّبرانِ الهقعة الهَنْعَةُ الذِّراعُ النَّثرةُ الطِّرفُ الجَبهةُ الزَّبرةُ الصِّرفةُ العَوَا السِّماكُ الغفر الزباني الإكليلُ القَلبُ الشَّولةُ النَّعائمُ البلدةُ سعدُ الذَّابحُ سعدُ بَلْع سَعدُ السُّعود سَعدُ الأخبيةِ فرغ الدَّلو المقدَّم فرغ الدَّلوِ المؤخرَّ الرَّشا وهو بطنُ الحوتِ ينزل كلَّ ليلةٍ في واحدٍ منها لا يتخطَّاها ولا يتقاصرُ عنها فإذا كان في آخرِ منازلِه وهو الذي يكون قبيلَ الاجتماع دقَّ واستقوسَ {حتى عَادَ كالعرجون} كالشِّمراخِ المُعوجِ فعلون من الانعراجِ وهو الاعوجاجُ وقُرئ {كالعَرجونَ} وهما لغتانِ كالبُزيَون والبِزيونِ.
{القديم} العَتيقِ وقيل: وهو ما مرَّ عليه حولٌ فصاعدًا {لاَ الشمس يَنبَغِى لَهَا} أي يصحُّ ويتسهَّلُ {أَن تدْرِكَ القمر} في سرعةِ السَّيرِ فإنَّ ذلكَ يخلُّ بتكون النَّباتِ وتعيُّشِ الحيوانِ أو في الآثارِ والمنافعِ أو في المكانِ بأن تنزلَ في منزلِه أو في سلطانه فتطمس نورَه. وإيلاءُ حرفِ النَّفي الشَّمسَ للدِّلالةِ على أنَّها مسخَّرةٌ لا بتيسر لها إلا ما قُدرِّ لها {وَلاَ الليل سَابِقُ النهار} أي يسبقُه فيفوتُه ولكنْ يعاقُبه وقيل: المرادُ بهما آيتاهُما النيِّرانِ وبالسبقِ سبقُ القمرِ إلى سُلطانِ الشَّمسِ فيكون عكسًا للأوَّلِ، وإيراد السَّبقِ كان الإدراك لأنَّه الملائمُ لسرعةِ سيرهِ {وَكُلٌّ} أي وكلُّهم على أنَّ التَّنوينَ عوضٌ عن المضافِ إليه الذي هو الضَّميرُ العائدُ إلى الشَّمسِ والقمرِ. والجمعُ باعتبارِ التَّكاثرِ العارضِ لهما بتكاثرِ مطالعهما فإنَّ اختلافَ الأحوالِ يُوجب تَعددًا ما في الذَّاتِ أو إلى الكواكبِ فإنَّ ذكرَهما مشعرٌ بها {فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يسيرُون بانبساطٍ وسهولةٍ.
{وَءايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرّيَّتَهُمْ} أولادَهم الذين يبعثُونهم إلى تجاراتِهم أو صبيانَهم ونساءَهم الذين يستصحبونهم، فإنَّ الذُّريةَ تطلقُ عليهن لاسيما مع الاختلاطِ، وتخصيصُهم بالذِّكرِ لما أنَّ استقرارَهم في السُّفنِ أشقُّ واستمساكهم فيها أبدعُ {فِى الفلك المشحون} أي المملوءِ وقيل: هو فُلك نوحٍ عليه السَّلامُ وحملُ ذريَّاتِهم فيها حملُ آبائِهم الأقدمين وفي أصلابِهم هؤلاء وذرياتُهم، وتخصيصُ أعقابِهم بالذَّكرِ دُونَهم لأنه أبلغَ في الامتنانِ وأدخلُ في التَّعجيبِ الذي عليه يدورُ كونُه آيةً.
{وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ} ممَّا يماثلُ الفُلكَ {مَا يَرْكَبُونَ} من الإبل فإنها سفائنُ البرِّ أو ممَّا يُماثل ذلك الفُلكَ من السُّفنِ والزَّوارقِ وجعلها مخلوقةً لله تعالى مع كونِها من مصنوعاتِ العبادِ ليس لمجرَّدِ كون صُنعِهم بأقدارِ الله تعالى وإلهامِه بل لمزيدِ اختصاصِ أصلِها بقُدرته تعالى وحكمته حسبما يُعرب عنه قولُه عزَّ وجلَّ: {واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} والتَّعبيرُ عن مُلابستهم بهذه السُّفنِ بالرُّكوبِ لأنَّها باختيارهم كما أنَّ التَّعبيرَ عن مُلابسة ذُرِّيَّتهم بفُلكِ نوحٍ عليه السَّلامُ بالحَملِ لكونِها بغير شعورٍ منهم واختيارٍ.
{وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ} الخ من تمامِ الآيةِ فإنَّهم معترفون بمضمونِه كما ينطقُ به قولُه تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} وقُرئ {نُغرِّقهم} بالتَّشديدِ وفي تعليق الإغراقِ بمحض المشيئةِ إشعار بأنَّه قد تكامل ما يُوجب إهلاكَهم من معاصيهم ولم يبقَ آلاَّ تعلُّقُ مشيئته تعالى به أي إنْ نشأْ نغرقهم في اليمِّ مع ما حملناهم فيه من الفُلك فحديثُ خَلْقِ الإبل حينئذٍ كلامٌ جيء به في خلالِ الآيةِ بطريق الاستطرادِ لكمالِ التَّماثلَ بين الإبلِ والفُلكِ فكأنَّها نوعٌ منه أو مع ما يركبون من السُّفنِ والزَّوارقِ {فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ} أي فلا مُغيثَ لهم يخرجهم من الغَرَق ويدفعه عنهم قبل وقوعِه وقيل: فلا استغاثةَ لهم من قولِهم أتاهم الصَّريخُ {وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} أي ينجُّون منه بعد وقوعِه وقوله تعالى: {إِلاَّ رَحْمَةً مّنَّا وَمَتَاعًا} استثناء مفرَّغٌ من أعمِّ العللِ الشَّاملةِ للباعث المتقدِّمِ والغاية المتأخِّرةِ أي لا يُغاثون ولا يُنقذون لشيءٍ من الأشياءِ إلا لرحمةٍ عظيمةٍ من قبلنا داعيةٍ إلى الإغاثةِ والانقاذِ وتمتيع بالحياة مترتِّب عليهما ويجوزُ أنْ يُرادَ بالرَّحمةِ ما يُقارن التَّمتيعَ من الرَّحمةِ الدُّنيويَّةِ فيكون كلاهما غايةً للإغاثةِ والانقاذِ أي لنوعٍ من الرَّحمةِ وتمتع {إلى حِينٍ} أي إلى زمانٍ قُدِّر فيه آجالُهم كما قيل:
ولم أسلمْ لكي أبقَى ولكن ** سَلِمتُ من الحِمامِ إلى الحِمامِ

. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَءايَةٌ لَّهُمُ الليل} بيان لقدرته تعالى الباهرة في الزمان بعدما بينها سبحانه في المكان، و{ءايَةً} خبر مقدم و{الليل} مبتدأ مؤخر وقوله تعالى: {نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} استئناف لبيان كونه آية، وفي التركيب احتمالات أخر تعلم مما مر إلا أن الأرجح ما ذكر أي نكشف ونزيل الضوء من مكان الليل وموضع إلقاء ظله وظلمته وهو الهواء النهار عبارة عن الضوء إما على التجوز أو على حذف المضاف، وقوله تعالى: {مِنْهُ} على حذف مضاف وذلك لأن النهار والليل عبارتان عن زمان كون الشمس فوق الأفق وتحته ولا معنى لكشف أحدهما عن الآخر وأصل السلخ كشط الجلد نحو الشاة فاستعير لكشف الضوء عن مكان الليل وملقى ظلمته وظله استعارة تبعية مصرحة والجامع ما يعقل من ترتب أمر على آخر فإنه يترتب ظهور اللحم على كشط الجلد وظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل، وجوز أن يكون في النهار استعارة مكنية وفي السلخ استعارة تخييلية والجمهور على ما ذكرنا ومن ابتدائية، وقيل: تبعيضية وجعلها سببية ليس بشيء، وهذا التفسير محكي عن الفراء ونحوه تفسير السلخ بالنزع، واستعمال الفاء في قوله تعالى: {فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} أي داخلون في الظلام كما يفيده همزة الأفعال عليه ظاهر، ووقع في عبارة الشيخ عبد القاهر والإمام السكاكي أن المستعار له في الآية ظهور النهار من ظلمة الليل والمستعار منه ظهور المسلوخ من جلده وذلك على ما قال العلامة الطيبي والفاضل اليمني مأخوذ من قول الزجاج معنى نسلخ منه النهار نخرج منه النهار إخراجًا لا يبقى معه شيء من ضوئه فالظهور في عبارتهما بمعنى الخروج وهو يتعدى بمن فلا حاجة إلى جعلها بمعنى عن.
وقد جاء بهذا المعنى كما في قول عمر لأبي عبيدة رضي الله تعالى عنهما اظهر بمن معك من المسلمين إليها أي الأرض يعني أخرج إلى ظاهرها، وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها كان صلى الله عليه وسلم يصلي العصر ولم يظهر الفيء بعد من الحجرة أي لم يخرج إلى ظاهرها فسقط ما أورد عليه من أنه لو أريد الظهور لقيل {فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} ولم يقل {فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} لأن الواقع عقيب ظهور النهار من ظلمة الليل إنما هو الإبصار لا الأظلام من غير حاجة إلى حمل العبارة على القلب أي ظهور ظلمة الليل من النهار، وبعضهم رفع هذا الإيراد بأن النهار عبارة عن مجموع المدة من طلوع الفجر أو الشمس إلى الغروب لا عن بعضها فالواقع عقيب هذه المدة كلها الدخول في الظلام.
وتعبه السالكوتي بأن الدخول في الظلام مترتب على السلخ لا على انقضاء مدة النهار.
ولعل مراد البعض أن السلخ بمعنى ظهور النهار لا يتحقق إلا بظهور كل أجزائه ومتى ظهرت أجزاء النهار كلها انقضت مدته، وذكر العلامة القطب أن السلخ قد يكون بمعنى النزع نحو سلختا الأهاب عن الشاة وقد يكون بمعنى الإخراج نحو سلخت الشاة من الأهاب والشاة مسلوخة فذهب الشيخ عبد القاهر والسكاكي إلى الثاني وغيرهما إلى الأول فاستعمال الفاء في {فاذاهم} ظاهر على قول الغير وأما على قولهما فإنما يصح من جهة أنها موضوعة لما يعد في العادة مرتبًا غير متراخ وهذا يختلف باختلاف الأمور والعادات فقد يطول الزمان والعادة في مثله تقتضي عدم اعتبار المهلة وقد يكون بالعكس كما في هذه الآية فإن زمان النهار وإن توسط بين إخراج النهار من الليل وبين دخول الظلام لكن لعظم دخول الظلام بعد إضاءة النهار وكونه مما ينبغي أن لا يحصل إلا في أضعاف ذلك الزمان عد الزمان قريبًا وجعل الليل كأنه يفاجئهم عقيب إخراج النهار من الليل بلا مهلة.
ثم لا يخفى أن إذا المفاجأة إنما تصح إذا جعل السلخ بمعنى الإخراج كما يقال: أخرج النهار من الليل ففاجأه دخول الليل فإنه مستقيم بخلاف ما إذا جعل بمعنى النزع فإنه لا يستقيم أن يقال: نزع ضوء الشمس عن الهواء ففاجأه الظلام كما لا يستقيم أن يقال كسرت الكوز ففاجأه الانكسار لأن دخولهم في الظلام عين حصول الظلام فيكون نسبة دخولهم في الظلام إلى نزع ضوء النهار كنسبة الانكسار إلى الكسر فلهذا جعلا السلخ بمعنى الإخراج دون النزع اه كلامه، وقواه العلامة الثاني بأنه لا شك أن الشيء إنما يكون آية إذا اشتمل على نوع استغراب واستعجاب بحيث يفتقر إلى نوع اقتدار وذلك إنما هو مفاجأة الظلام عقيب ظهور النهار لا عقيب زوال ضوء النهار.
وقال السالكوتي: إن عدم استقامة المفاجأة فيما ذكر لأنها إنما تتصور فيما لا يكون مترقبًا بل يحصل بغتة وحينئذ يمكن أن يقال في الجواب: إن نزع الضوء عن الليل لكون ظهوره في غاية الكمال كان المترقب فيه أن يكون في مدة مديدة فحصول الظلال بعده في مدة قصيرة أمر غير مترقب ثم قال وبهذا ظهر الجواب عن التقوية، وقيل إن الظلمة لكونها مما تنفر عنها الطباع وتركهها النفوس يكون حصولها كأنه غير مترتقب ويكفي نفس السلخ في الدلالة على الاقتدار، والذي يقتضيه ما سبق عن الطيبي واليمني أن الشيخ والسكاكي أرادا إخراج النهار من الليل إخراجًا لا يبقى معه شيء من ضوئه كما قال الزجاج، ومآله إزالة ضوء النهار من مكان الليل وموضع ظلمته كما قال الفراء، وجاء في كلامهم الظهور بمعنى الزوال كما في قول أبي ذؤيب:
وعيرها الواشون أنى أحبها ** وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

وحكى الجوهري: يقال هذا أمر ظاهر عنك عاره أي زائل.
وقال المرزوقي في قول الحماسي:
وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر

أيضًا كذلك فلا مانع من أن يكون في كلام الشيخين بهذا المعنى ويراد بالظهور الإظهار، والتعبير به مساهلة لظهور أن نسلخ متعد فيرجع الأمر إلى الأزالة فيتحد كلامهما بما قاله الفراء وكذا على ما قيل المراد بالظهور الخروج على وجه المفارقة لظهور الزوال فيه حينئذ وأمر المساهلة على حاله، وعلى القول بالاتحاد يجيء اعتراض العلامة والجواب هو الجواب فتأمل والله تعالى الهادي إلى الصواب.
وفي الآية على ما قال غير واحد دلالة على أن الأصل الظلمة والنور طارىء عليها يسترها بضوئه وفي الحديث ما يشعر بذلك أيضًا، روى الإمام أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نور اهتدى ومن أخطأه ضل».